الثلاثاء، 14 يونيو 2016

العَقْد السّلوكي

وهذه مهارة في غاية التأثير ، وهي عبارة عن تقنينٍ لمهارة الثّواب والعقاب بصورة واضحة تساعد الطفل والمربّي كذلك على تحقيق السّلوك المرغوب وتجنب السّلوك السلبي.

والعقد السلوكي هو اتفاق بين المربّي والطّفل يتضمّن المهمّة المطلوب من الطفل تأديتها ، والمكافأة التي سيحصل عليها عند تحقيق المطلوب ، وكذلك العقوبة المتّرتبة على عدم الالتزام بالاتفاق.
شروط العَقد السلوكي الناجح:
قد يعقد بعض المربّين الكثير من الاتفاقيات مع بعض الأطفال ، ولكنّ هذه الاتفاقيات قد تخلو من شروط العَقد السّلوكي الناجح فتأتي النتائج غير مشجعة ، لذا فإنّ المربّين يحتاجون أن يسعَوا إلى تفعيل استخدام هذه المهارة بالصّورة المُثلى وذلك بتوفير شروط نجاح هذه الوسيلة ، ومنها:

1-   يفضَّل أن يكون العَقد مكتوباً ، خاصة مع الأطفال الذين يجيدون القراءة والكتابة ، ويمكن أن يكون عقداً شفهياً مع من لا يجيد القراءة.
2-   أن تنبثق بنود العقد من حوارٍ واتفاقٍ بين المربّي والطفل ، لا أن تكون صادرة عن رأي طرف واحد فقط ، الذي هو المربي غالباً.
3-   أن تُرضي بنود العقد الطَّرفين وتحقِّق مكاسب ومصالح مشتركة للطفل وللمربي معاً ، كأن يتخلّص المربي من سلوك غير مرغوب فيه لدى الطفل ، وأنْ يحصل الطّفل على مكافأة يحبها ويرغبها.
4-   أن يتمَّ تحديد المشكلة المطلوب علاجها ، أو السّلوك المرغوب تعديله بصورة واضحة ، لأنّ بعض المربّين يطلب من الطفل أموراً غير واضحة ؛ كمَن يطلب من ابنه أن يكون مؤدَّباً والطفل قد لا يدرك ما هي التفصيلات السلوكية لكلمة (مؤدب) ، لذا فينبغي أن يتم تحديد السّلوك المطلوب فعله أو التخلّص منه بصورة دقيقة واضحة حتى تساعد الطفل على تنفيذ الاتفاقية.
5-   أن يشتمل العقد على تدعيمات ومكافآت محدّدة يمكن للطفل أن يحصل عليها عند قيامه بالسلوك المرغوب ، وتكون هذه المكافآت مما يحبّه الطفل ويميل إليه.
6-   أن يقتصر العقد على مشكلة واحدة أو سلوك واحد فقط ، وذلك يساعد الطفل على  التركيز على المطلوب منه دون تشتيت لذهنه وقدراته.
7-   أن تكون الأهداف المتّفق عليها في العقد واقعية ، ممّا يستطيع الطفل تحقيقه ، أي أن يكون المطلوب منه متوافقاً مع قدراته وإمكاناته ، وأن يكون تحقيقه بيده لا بيد غيره ، فمثلاً : عندما يطلب الأب من طفله أن يصبح الأول على زملائه ، فعلى الأب أن ينظر بواقعية ، هل هذا الطلب يتناسب مع إمكانيات طفله أم لا ؟ وكذلك فإنّ تحقيق هذا الأمر يرتبط بآخرين وليس بيد الطفل لوحده ، وإذا أردت أن تُطاع فأمر بما يُستطاع.
8-       أن يشتمل العقد على فترة زمنية محدّدة لتنفيذ الاتفاقية.
9-       أن يتم تحديد عقوبات محدّدة واضحة عند عدم الالتزام بتنفيذ المتّفق عليه في العقد.
10- أن يقوم المربّي بمساعدة الطفل في تحقيق وتنفيذ العقد المتفق عليه ، وذلك بتذكيره وتحفيزه وتشجيعه على ذلك.
 
   فإذا التزم المربّي بتوفير هذه الضوابط والشروط أثناء إعداد العقد السّلوكي فإن ذلك سيكون له بالغ الأثر في تفعيل هذه المهارة وهذا الأسلوب ، وحصول تعديل السلوك المطلوب.
  إنّ نظام العقد السّلوكي من الأساليب السّلوكية التي تلقَى اهتماماً كبيراً من المعالجين السّلوكيين ، ومع ذلك فإن القليل من المربّين هم الذين يمارسون هذا الأسلوب ، وهذا التعاقد له فوائد تربوية كثيرة ، منها :
1-   يساعد على تحديد الأهداف المطلوب من الطفل تنفيذها ، وهذا بدوره يقلل التوتّر الذي يصاحب كثرة التوجيهات والأوامر التي يتلقاها الطفل.
2-       العقد السلوكي الواضح والمحدّد يستثير لدى الطفل الدافع والهمة للإنجاز والتغيير والتقدّم إلى الأمام.
3-       يزيد شعور الطفل بالمسئولية ؛ لأنه يشارك في صياغة بنود العقد.
4-       يجعل الطّفل يشعر بأنّ عملية تعديل السّلوك هي عملية مشتركة بينه وبين المربي.

     وإنّ المتأمِّل في السِّيرة النّبوية يجد أنها مليئة بالعقود السّلوكية الشّفهية التي كان يبرمها النبي- صلى الله عليه و سلم- مع أصحابه -رضوان الله عليهم – ليدفعهم إلى التحلّي بسلوك إيجابي جديد ، أو لبذل الثّمين لخدمة الدين ، وما قصة عقد بيعة العقبة إلاّ نموذجاً من أوضح النماذج لعقدٍ مستوفي الشروط ، قائمٍ على حوار واتفاقٍ بين الطرفين ، يشتمل على أهداف واضحة –هي ما طلب النبيr من الأنصار أن يقوموا به - وكذلك يحتوي على المكافأة والامتيازات التي سينالونها عند التزامهم بذلك ، وهي الجنة ، فقد قال الأنصار -رضي الله عنهم - وهم يخاطبون نبي الهدى r: )فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف ، فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفَّينا بذلك ؟ فقال- صلى الله عليه وسلم -: الجنة. قالوا : ابسط يدك ، فبسط يده فبايعوه)([2]).
             فهذه صورة مضيئة من صور العقد السلوكي الذي يعقده المربّي مع من يربيهم ، ويكون له - بإذن الله – الأثر البالغ في تحفيزهم للاتجاه نحو سلوك إيجابي جديد بكل قوّة وحماس وقناعة راسخة.



( [1]) العقد السلوكي : يراجع العلاج السلوكي للطفل والمراهق ، د / عبد الستار إبراهيم وآخرون ص 246-260 ، وكذلك : خمس خطوات لتعديل سلوك طفلك ، د /  عادل رشاد غنيم 61-65 .
( [2]) الرحيق المختوم ، للشيخ صفي الرحمن المباركفوري ، ص150 .

الحاجة الرّوحية والإيمانية

   هذه الحاجة يحتاجها كل إنسان ، فهي حاجة فطرية ضرورة ملحّة لاستقامة نفس الإنسان وروحه ، وكذلك الطفل يحتاج إلى الإشباع الروحي والغذاء الإيماني حتى تستقيم تربيته وتنضح ، وتستقر حياته ، فالإيمان يهذّب الأخلاق والغرائز ويوجّهها إلى طريقها الصحيح المتّزن والمتوافق مع الفطرة ،فلا بدّ للمربين – الآباء والمعلمين وغيرهم - مِن غرس الإيمان في نفوس الأطفال من نعومة أظفارهم ، ولا بدّ لهم من التّدرج في هذا البناء الإيماني ، وهذا البناء – كما أنّه حاجة شرعية وفطرية - فهو كذلك حاجة نفسية تربوية ، فالدّراسات العلمية تظهر أنّ التّدين له دور كبير في استقرار الحالة النفسية للفرد ، فالتّدين بمعناه الصحيح والعميق – لا بمظاهره فقط - يساعد الفرد على تحمّل صعوبات وأزمات الحياة ، وهذا يجعله أكثر استقراراً في حياته النفسية والاجتماعية.
ولابدّ للآباء والمربّين عند توفير هذه الحاجة الرّوحية للأطفال من التنويع في الأساليب و الوسائل ، وهذه بعض الوسائل المهمة التي تساعد في ذلك:

1-  إقامة البيت والحياة العائلية على تقوى الله ، والحرص على تأدية فرائض الله والقيام بحقوقه والوقوف عند حدوده من جميع أفراد الأسرة خاصة الوالدين ، وأنْ تكون معالم الدين والإيمان ظاهرة في أشخاصهم وتعاملهم وفي جميع نواحي حياتهم ، ولعلّ من أسرار حث الشارع الحكيم أن يكون أداء بعض نوافل الصلوات في البيوت ، حتى يكون في ذلك تعويد للطفل على الطاعة. 
2- تطهير البيت والمنزل من المنكرات والمخالفات الشرعية ، وإخراج كل ما فيه معصية لله - سبحانه و تعالى- من البيوت ؛ حتى لا يعيش الطفل في صراع بين ما يسمعه من توجيهات دينية شرعية في المنزل أو في محاضن التعليم الأخرى وبين ما يراه من ممارسات تخالف هذه التوجيهات في واقع حياة الأسرة. 
3-على الآباء أن يركّزوا على تعميق روح العبادة لدى أبنائهم وربط قلوبهم بربهم وخالقهم بأساليب سهلة وميسورة ، ولا يكون تركيزهم منصبّاً – فقط - على ظاهر العبادة وبعض الألفاظ الشرعية التي يردّدها الطفل دون ارتباط قلبه بالله سبحانه و تعالى ، فبعض الآباء قد يحرص على ذهاب ابنه إلى المسجد ، وأن يحفظ شيئاً من القرآن - سواءً في المنزل أو في حلقات تحفيظ القرآن الكريم ، وهذا شيء جميل - لكنّ الأجمل أن نحرص على ربط قلوبهم أكثر بالدين والعبادة ، لأنّ بعض الأبناء قد يمارس هذه الممارسات الجيدة في حضور آبائهم ، لكنْ إذا غاب الأب أو سافر فإنّه يتوقّف عنها حتى يرجع أبوه ، وهذا خلل تربوي كبير ، ينتج من الحرص على ظاهر هذه الشعائر دون الحرص على روحها ومعناها.

الحاجة إلى الشعور بالانتماء إلى مجموعة

إنّ الإنسان مخلوق اجتماعي بطبعه ، ولابدّ له من وسط اجتماعي يعيش فيه ويتفاعل معه ، والحاجة إلى الشّعور بالانتماء إلى مجموعة كما أنها حاجة إنسانية لكل إنسان في أي مرحلة من مراحل عمره -  فهي كذلك حاجة ضرورية للطفل ، فالطّفل يحتاج أن يشعر بانتمائه الإجتماعي ، وهو بحاجة إلى وجود مجتمع - ولو كان صغيراً - حوله بحيث يشعر أنه جزء منه.
   وإنّ أوّل وأهم مجموعة يحتاج الطفل أن يشعر بالانتماء إليها هي الأسرة والعائلة الصغيرة التي يكون الطفل أحد أفرادها ، فعلى الوالدين أن يكون لهما دور كبير في غرس وتنمية شعور الطفل بانتمائه إلى أسرته وعائلته ، ويكون ذلك بأمور منها:
1-  إشاعة روح المحبة والعاطفة بين أفراد العائلة ، خاصّة بين الإخوة والأخوات ، وحثّ كل واحد منهم على استخدام الألفاظ والعبارات والسلوكيات التي تعبّر عن محبته ومودته لإخوانه ، وعلى الوالدين أن يشجِّعوا ويكافئوا كلَّ من يصدر منه لفظ أو سلوك تظهر فيه محبته لإخوانه واحترامه لهم ، وهذه ممارسة أصبحت قليلة في الأسر ، وأصبح الوالدان يغفلان عن إحيائها بين أفراد العائلة.
2-  كذلك إشاعة روح التّعاون والمشاركة الجماعية بين الإخوة والأخوات وتوفير الألعاب التي تدعم المشاركة الجماعية والتقليل من الألعاب التي تغرس الفردية.
3-  مشاركة الأبناء والبنات في اتّخاذ بعض القرارات العائلية حتى ولو كانت قرارات بسيطة ، لأنّها تشعرهم بأهميتهم وأنهم جزء مهم من هذا الكيان العائلي ، ويمكن ممارسة هذه المشاركة في قرارات متعددة ، ومن أمثلة ذلك : اختيار نوعيّة الأكل الذي نشتريه من خارج المنزل ، أو إذا كانت العائلة في رحلة فمن الجميل أن يتشاور الوالدان مع أبنائهم في وقت الخروج لهذه الرحلة ، أو مكانها ، أو طبيعة الطّعام الذي نأخذه وغير ذلك مما لا يحتاج قرارات هامّة لكنّها تؤدّي إلى تلبية هذه الحاجة للأبناء.
 
      والمجموعة الأخرى التي يحتاج الطفل إلى وجودها مجموعةُ الأصدقاء ، فوجودهم مهمّ للطفل حتى يتم إشباع هذه الحاجة لديه ، وكذلك فإن هناك بعض الأخلاق والسلوكيات الحميدة لا يمكن أن تنمو لدى الطفل إلاّ مع آخرين مثل أخلاق : التعاون ، والإيثار ، والتسامح ، وغيرها من الأخلاقيات التي لا تنمو إلاّ في وسط المجموعات ، وكذلك تنمية المهارات الاجتماعية. وإن كانت هناك بعض السّلبيات التي تحصل من بعض الأصدقاء ، لذلك قد تكون رَدّة فعل بعض الآباء أن يحرم أبناءه من أن يكون لهم أصدقاء ، ولاشكّ أنّ هذا تصرّف خاطئ من الأب ، ولكن الحكمة أن يسعى الأب إلى اختيار نوعية أصدقاء ولده من الذين يطمئن على أبنائه معهم وممن يثق في أسرهم على أن يكون ذلك بصورة غير مباشرة وبدون فرض وصايته على الطفل ، وهذا الأمر له عدة فوائد ؛ فهو من ناحية يحقّق حاجة الولد لوجود مجموعة ينتمي إليها ، ويساعده في بناء علاقات اجتماعية بعيداً بعض السلبيات التي تحصل من بعض الأصدقاء غير المرغوب فيهم.
وإذا لم يتمّ توفير الشعور بالانتماء الاجتماعي للطفل ، فإنّ ذلك قد يسبب آثاراً سلبية عديدة ، منها:
1-   الانطوائية والعزلة الاجتماعية وصعوبة إقامة العلاقات الاجتماعية.
2-  ضعف المهارات الاجتماعية ، ومهارات التّواصل مع الآخرين ، ذلك لأنّ الطفل لم يتعوّد على ذلك منذ طفولته المبكرة.
3-   غياب بعض السلوكيات الإيجابية التي لا تظهر إلاّ في وسط مجموعة ، وقد ذكرنا نماذج منها فيما سبق.

الحاجة إلى الشعور بتحقيق الذات

ذلك أنّ الطفل –وأيَّ إنسان على وجه العموم - يحب ويحتاج أن يشعر أنّ له وجوداً وكياناً ، وأنّ له قيمةً واضحةً ومهمة في مجتمعه الصغير –الأسرة - أو في مجتمعه الكبير الواسع  ،ولا شكّ أنّ إشباع هذه الحاجة في ذات الطفل له مردود إيجابي كبير مما يجعل شخصية الطفل تنمو في توافق واستقرار ، وحرمانه منها له آثار سلبية ، كالشّعور بالنّقص ، وضعف الثّقة بالنفس مما قد يؤدي إلى الحزن والكآبة المستمرة.
ومما يؤدّي إلى إشباع هذه الحاجة أن يشعر الطفل أنه قادر على الإنجاز ، وكذلك أن يشعر أنّ له مكانة خاصة ومهمة لدى من حوله -خاصة والديه - ويستطيع المربون إشباع هذه الحاجة المهمة بما يلي:
1-  الاستماع والإنصات والإقبال على الطفل باهتمام وتركيز عندما يتحدّث أو يخبر عن شيء ما ، حتى لو لم يكن مهماً بالنسبة لنا ، ولكنّه مهم جداً عند الطفل.
2-  إعطاؤه فرصة كافية للتعبير عن رأيه في أي موضوع يتم طرحه للنقاش ، أو عند مشاهدة مواقف أو أحداث عابرة في المنزل أو في الشارع أو في المدرسة أو في أي مكان آخر.
3-  مشاورته في اتخاذ القرار : سواءً فيما يخصّه هو ، أو فيما يخصّ أمور الأسرة والعائلة ، أو حتى فيما يخصّ الأب أو الأم أحياناً فهذا يشعره بزيادة الاهتمام به.
4-  تكليفه ببعض الأعمال التي تتناسب مع عمره ، حتى يكون قادراً على القيام بها ، وبالتّالي يستطيع إنجازها مما يزيد شعوره بتحقيق ذاته ، وقد قيل : قيمة الإنسان ما ينجز.
5-  شارِكه في إنجاز أعماله ، لكنْ لا تنجزها نيابةً عنه ، فالأصل أن نترك الطفل يعتمد على نفسه في الأمور اليسيرة ، وأحياناً قد يجد الطفل صعوبة أو عقبات في بعض الأمور فلا نبادر بإنهائها مباشرة وإنّما نساعده ونتعاون معه في إنجازها.

6-  إعطاؤه مقداراً من الحرية في اختيار أشيائه الشخصية :حتى لو كان صغيراً في عمره فيمكن أن نختار له مجموعة مناسبة من صنف واحد ونطلب منه أن يختار منها واحداً ، فيشعر أنه صاحب القرار في ذلك.

الحاجة إلى بالشّعور بالتّقدير والاحترام والقبول من الآخرين


إنّ كل إنسان يحب أن يشعر بالقبول والاحترام من الآخرين ، وإلاّ فإنه يشعر أنه منبوذ ولا مكان له بينهم ، والطّفل يحتاج إلى هذا الشعور وبصورة كبيرة جداً حتى ينمو في حالة مستقرة ومتوازنة.
والطّفل ينظر إلى نفسه من خلال عيون والديه أوّلاً ومن خلال عيون مربيه ثانياً ، فإذا أشعرناه أنه محترم ومقبول فإنه يعيش بهذا الشعور ، وإذا حرمناه ذلك وجعلناه يشعر - وإن كان بدون قصد منا - بالدونية وعدم القبول فإنه يرى نفسه هكذا. وهذا مكمن خطورة احتقار الطفل وإظهار عدم احترامه.
   ولقد رسم لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أروع النّماذج في احترام وتقدير الأطفال وعدم انتقاص قدرهم ومكانتهم ، فقد أخرج البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه و سلم- أتي بشَراب فشرب منه ، وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ ، فقال للغلام:أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ؟ فقال الغلام : لا والله يا رسول الله ، لا أُوْثِر بنصيي منك أحداً ، فَتَلَّه - أي وضعه - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يده.
فانْظر أخي المربي وتأمل هذه القصة ، ولك أنْ تعجب كيف يستأذن الرسول القائد العظيم - صلى الله عليه وسلم - طفلاً صغيراً ، بل ويقدّمه على أشياخ الصحابة ، والأشدّ عجباً كيف جلس هذا الغلام الصغير في ذلك المجلس العظيم الذي فيه كبار وعظماء الصحابة ، بل كيف استطاع أن يكون بجوار الرسول - صلى الله عليه وسلم - بل الأعجب أنه كان على يمينه ، إنّ ذلك كله يشير إلى عظمة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في توقير الأطفال واحترامهم ، وعدم ازدرائهم ، ويدل أيضاً على أنّ هذا الاحترام والتّقدير أمر مألوف في مجتمع الصحابة ، لذلك لم يكن مستغرباً أن يجلس هذا الغلام الصغير في ذلك المجلس الوقور ، لا كما نفعله في مجالسنا حيث يستحيل أن يتقدّم الطفل في مجلس الكبار ، بل أحياناً لا نسمح له بمجرد الجلوس في مجلس فيه رجال كبار ، فضلاً أنْ يكون قريباً من صدر المجلس ، ولا شكّ أنّ هذا التعامل سيضعف لدى هذا الطفل الشعور بالتقدير والاحترام والقبول من الآخرين.
وإليك أخي المربي بعض الوسائل التي تحقق هذه الحاجة للطفل:

1-  المدح والثناء وذكر حسنات الطفل والتركيز على إيجابياته والإشادة بها أمام الآخرين ، ممّا يجعل الطفل يشعر بقبوله واحترامه من الآخرين.
2-  قبول قدرات الطفل وإمكاناته كما هي مع محاولة التطوير : ممّا ينبغي للآباء والمربين مراعاته أن لكلّ طفل قدراته وطاقاته وإمكاناته التي منحه الله إياها ، فلا بدّ أن نقبلها منه ونرضى بها ونمدحها ثم نسعى إلى تطويرها وتحسينها.
3-   الكُنْية : إنّ التّكْنية عند العرب تعبير عن الاحترام والإجلال و التقدير، فمن المستحسن أن تختار كنية جميلة لطفلك بعد أن تتشاور معه في ذلك ، فقد كان المصطفى - صلى الله عليه و سلم - يكنّي الأطفال ، فكان يقول لأحد أطفال الصحابة :"يا أبا عُمير، ما فعل النُّغَيْر ؟"والحديث رواه الشيخان.
4-   ترك كثرة النّقد والتّأنيب :فإنّ الإكثار من ذلك يورث الشّعور بعدم القبول ، والنّقد مطلوب ولكنْ بقدر مناسب دون مبالغة ، وانظر إلى رسولنا الحبيب - صلى الله عليه وسلم - وقد خدمه أنس – رضي الله عنه – وهو صبي صغير ابن عشر سنين فلم يكْثر من لومه وعتابه وانتقاده ، ويصف ذلك أنس رضي الله عنه فيقول :" فما كان يقول لي لشيء فعلته لم فعلته ، ولا لشيء لم أفعله لِمَمْ أفعله"رواه الشيخان.
5-  ترك الإهانة و التّحقير : خاصةً أمام الآخرين من إخوانه أو أصدقائه أو أقاربه،وفي الواقع إنّ أسلوب الإهانة والتحقير لا يمتّ إلى تعاليم الإسلام بصلة ، بل إنّ ذلك ليس من الخلق الإنساني في شيء ، فلا يليق بالمربين سواءً الآباء والأمهات أو المعلمين والمعلمات أن يُهينوا أو يحْتقروا الأطفال مهما كان السبب ، وهذا الأسلوب أسلوب مقيت ، يُوْرث الشّعور بالاحتقار وعدم القبول من الآخرين.
6-  ترك مقارنة الطفل بالآخرين : إنّ رسم النماذج الإيجابية والصّور المشرقة للطفل ومطالبته بالاقتداء بها أمر محمود ، لكن بشرط ألاّ تكون بصورة الانتقاص من ذات الطفل. وينبغي أنْ نبتعد قدر المستطاع عن مقارنة الطفل بالآخرين من إخوانه أو زملائه وأصدقائه وأقاربه ، لأنّ ذلك قد يشعره بالنقص وكذلك قد يشعره بالكراهية لمن نقارنه بهم ، فالأَوْلى أنْ نذكر للطّفل الصفات الإيجابية التي نريده أن يتحلى بها وأن نذْكر له قدوات من حياة السابقين من أبناء الصحابة أو غيرهم ، وأنْ نبتعد عن مقارنته بالآخرين.
فإذا وفَّرْنا للطفل المعاملة المليئة بالاحترام والتقدير فإنّ ذلك له دورٌ كبيرٌ في استقرار نفسيّته وشخصيته في مستقبل حياته ، أمّا حرمان الطفل من الشّعور بالقبول والاحترام ممن حوله فإن ذلك له آثار سلبية كثيرة منها:
1-   ضعف الشّخصية وضعف القدرة على إبداء رأيه.
2-   ضعف الثّقة بالنّفس والشّعور بالدّونية.
3-   الشّعور بالحقد والكراهية للآخرين ، لأنّ مَن حوله جعله يشعر أنّ المجتمع لا يتقبله ولا يحترمه.
4-   ضعف القدرة على إقامة علاقات اجتماعية ناجحة.

 

الخميس، 19 مايو 2016

حاجة الأبناء إلى الشعور بالأمن والطمأنينة

       إنّ حسن تعامل المربّي مع أيّ طفل يقوم على مدى إدراكه ومعرفته وإحاطته بأمرين هامين هما : خصائص المرحلة العمريّة للطفل ، وكذلك حاجاته النفسيّة والاجتماعية ، فإذا كانت خلفية المربي قويّة في معرفة خصائص النمو لهذا الطّفل وما يتميّز به في كل مرحلة من مراحل عمره ، ثم كانت لديه معرفة بحاجاته الأساسية (النفسية والاجتماعية) وكيف يحققها ويقوم بإشباعها ، فإنّ هذا من أعظم مفاتيح النجاح في التعامل مع الطفل وتربيته التربية الصحيحة ، يقول د/مصطفى أبو سعد : )وأصل كل سلوك دافعٌ داخلي وحاجة نفسية)([1]).

ونقصد بالحاجات الأساسية : تلك الحاجات التي لا بدّ من توفيرها لأيّ طفل حتى ينشأ نشأة مستقرّة هادئة و متّزنة ، وحتى تنمو شخصيته نمواً معتدلاً ، وفي غالب الأحيان تكون سلوكيات الطفل إنّما هي بحثٌ عن إشباع حاجة أساسية معينة.

لذا فإنّنا في عَرْضِنا لهذه المهارة سنحاول أنْ نذكْر أبرز وأهم الحاجات الأساسية التي يحتاج الطفل أنْ نقوم بإشباعها ، وكيف نستطيع ذلك ، مع إلماحنا إلى أبرز الآثار المترتّبة على حرمانه من هذه الحاجات.
 وفي السّطور التالية سأذْكر لك - أخي القارئ - حاجة الأبناء إلى الشعور بالأمن والطمأنينة

هذه حاجة إنسانيّة يحتاجها كل إنسان ، والطّفل أكثر حاجة لها ، ولقد أشار ربنا - جل وعلا - إلى عظيم حاجة الإنسان لهذه الحاجة حين امتن بها على قريش فقال سبحانه وتعالى :{ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } ([2]).

تزداد حاجة الطفل إلى الأمن والطمأنينة لأنه ما يزال مرهفاً وحساساً في بداية حياته ؛ ولأنّ بناء شخصيته لم يكتمل بعد فهو مازال يستقي الشّعور بالأمن والطمأنينة ممّن حوله ، وقد لاحظ كثير من الباحثين أنّ حاجة الطفل للشّعور بالأمان تبدأ منذ أنْ يكون جنيناً في بطن أمه ، كما لاحظوا أنّ الجنين يتأثّر بالحالة المزاجية والانفعالية للأم ، ويظهر ذلك أحياناً في صورة زيادة حركاته في رحم أمه ، أو في صورة زيادة في نبضات القلب تعبيراً عن شعوره بالانزعاج وعدم الطمأنينة.

وسائل تحقيق الأمن والطمأنينة للطفل:

1- الرّفق واللّين في معاملة الطفل ، وقد قال صلى الله عليه وسلم:)إنّ الرّفق لا يكون في شيء إلا زانه)([3])، والرّفق و اللّين- دون زيادة تدليل - من أهم الأسباب التي تشعِر الطفل بالهدوء والطمأنينة ، وتشعره بمحبة الآخرين وقبولهم له.
2- الحرص على إدخال البهجة والسرور على الطفل ، سواء بكثرة المداعبة والملاعبة والملاطفة ، أو بالعبارات التي تحمل معاني البهجة والدعابة ، أو بالهدايا المادية كاللعبة والحلوى وغيرها من الهدايا التي يحبّها الطفل ويفرح بالحصول عليها.

3- الاهتمام المستمرّ بالطفل والتفقد لاحتياجاته ، فالسؤال المتكرّر للطفل عن أحواله ، والاهتمام به وبسائر شؤونه ، ومشاركته في همومه واهتماماته ، وتفقّد احتياجاته الضروريّة والحرص على توفيرها قبل أن يطلبها ، لا شكّ أنّ لهذا الأسلوب دوراً كبيراً في توفير الأمن والطمأنينة للطفل.

* ترك القسوة والشدّة في التعامل ، فإذا وجَد الطفل ممّن حوله شدّة وقسوة وغلظة فإنه يشعر بأنه غير مقبول لديهم ، وبالتالي يشعر بعدم الاستقرار وعدم الطمأنينة.

إنّ التركيز على بذل هذه الوسائل يوفر للطفل جواً هادئاً وشعوراً مستمراً بالأمن والطمأنينة ، لكنّ إذا افتقد الطّفل هذا الشعور فإنّه قد تظهر لديه كثير من الاضطرابات النفسية والسلوكية.

    وممّا يجب أنْ ينتبه له الوالدان وأنْ يجتنبوه في التّعامل مع أبنائهم تلك الأسباب والعوامل التي قد تهدم شعور الطمأنينة لدى الأبناء ، ومن تلك العوامل ما يلي :
 
1- كثرة الخلافات الأسريّة ، وبالذّات الخلافات التي تنشأ بين الوالدين ، ولا شكّ أنّ البيوت لا تخلو من خلافات يسيرة ومتباعدة ، لكنّ المطلوب ألاّ تكون هذه الخلافات هي السّمة الغالبة والظاهرة في المنزل ، حتّى في حالة حصول خلاف بين الأبوين فالواجب أنْ يتمّ التّعامل معه بهدوء دون رفعٍ للأصوات أو صراخ ، وكذلك يجب أنْ يكون بعيداً عن أنظار الأبناء حتّى لا يؤثّر ذلك على نفسياتهم .
 
2- كثرة التخويف ، إنّ من الأمور الملحوظة في كثير من الأسر كثرة تخويف الأبناء ، وذلك بحجّة ردعهم عن الوقوع في بعض الأخطاء أو في بعض الأمور المزعجة والمؤذية لهم ، وأحياناً تستخدم بعض الأمهات التخويف عند النوم ، وأحياناً يكون التّخويف من الظّلام أو من الخروج من المنزل أو من اللص أو غيرها.
كلّ ذلك إذا كان بصورة متكررة فإنه يزعزع الشّعور بالأمان والطمأنينة في قلب الطفل ، ويزرع مكانه الشّعور بالخوف والرعب ، ولا شكّ أنّ ذلك سيكون له آثار سلبية كثيرة في حياة الطفل.
3- كثرة الصّراخ وكثرة التّهديد بالعقوبة ، إنّ تعامل أفراد العائلة فيما بينهم بكثرة الصّراخ وارتفاع الأصوات يجعل الجميع يشعر بعدم السكينة والهدوء ، وإنّ كثرة تهديد الوالدين أو المعلمين للأطفال بالعقوبة يجعلهم يعيشون في حالة رعب مستمر، حتى لو لم تنفّذ هذه العقوبة ، وهذا يشعر الطفل بفقدان الشعور بالأمن والطمأنينة.
4- كثرة الضّرب ، إنّ هذا السلوك يجعل الأبناء في خوف دائم ويشعرهم بعدم قبول الطرف الآخر لهم ، فهو بلا شكّ أسلوب من أساليب العقاب ، لكنْ إذا أكثر منه المربّي فإنّه يصبح من أبرز أسباب حرمان الطفل من الشعور بالأمن و الطمأنينة.
 

ولذا فعلى جميع الآباء والأمهات وكذلك المعلمين والمعلمات أنْ يبتعدوا عن كل ما من شأنه أنْ يحرم أطفالهم من الشّعور بالأمن والطّمأنينة ، وعليهم أنْ يمارسوا الأساليب التي تزيد ذلك الشعور لدى الأطفال ، لأنّ الطّفل الذي يُحرم هذا الشّعور قد تظهر لديه اضطرابات نفسية وسلوكية منها:
1-   الخوف المستمر.
2-   التوتّر والقلق النفسي.
3-   العناد و العنف : فالذي لا يشعر بالأمان قد يميل إلى مقاومة الآخرين حتى يدفع عن نفسه ما يخاف منه.
4-  قد تظهر لدى الطفل سلوكيات أخرى كالتبول اللاإرادي وكذلك التأتأة وغيرها ، وذلك كتعبير لا شعوري من الطّفل عن حرمانه من الشعور بالأمن والطمأنينة.
5-   ظهور بعض الآلام والشكاوى العضوية ،  يقول عكاشة عبد المنان :
(يؤكّد كثير من الخبراء أنّ الأطفال يعانون من الآلام بسبب الخصومات والمنازعات التي تسبق الطلاق أكثر من الطلاق نفسه ، وتقول د.ج.لويزديسبيرت الأخصائية في نفسيات الأطفال في كتابها "أطفال الطلاق " : إنّ الطّلاق العاطفي في منزل تعيس محطم أعظم خطراً على الطفل من الطلاق الحقيقي ) ([4]).
ولا شك أنّ عدم استقرار علاقة الوالدين من أهم العوامل التي تحرم الأبناء من الشعور بالأمن و الطمأنينة.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التربية الإيجابية من خلال إشباع الحاجات النفسية للطفل، د.مصطفى أبو سعد، ص1
(2) سورة قريش: 3-4
(3)  رواه مسلم
(4) التربية النفسية للطفل ، عكاشة عبد المنان ، ص148

 

الثلاثاء، 10 مايو 2016

الإشباع العاطفي


 إن الإنسان في جميع مراحل عمره بحاجة شديدة إلى الحب والعطف والحنان ، وهذه الحاجة الإنسانية تمتد من الولادة إلى الممات ، وفي صغره يكون أشدّ حاجة إلى الشعور بالمحبة والعطف والحنان حتى ينشأ سوياً متوازناً يشعر بالهدوء والدفء والأمان ، والطّفل يحتاج إلى الحبّ ويشعر به من يومه الأول ، وذلك عندما تضعه أمه الحنون على صدرها فيسكت وينقطع بكاؤه وتهدأ نفسه ، ولذا فإنّ من حكمة الله -سبحانه و تعالى - و رحمته بهذا الطفل الرضيع أن جعل غذاءه في صدر أمه لتضمّه إليها وتغدق عليه من دفئها وحنانها وعطفها قبل أن ترويه من لبنها ، وهكذا يستمر الطّفل ينهل من عطف أمه وحنانها من صدرها وذراعيها ونظراتها الحانية.

وقد أظهرت كثير من الدّراسات العلميّة أنّ الطّفل كلما عاش في حياة مليئة بالمحبة والمودة في طفولته كان ذلك أدعى - بإذن الله - إلى استقرار حالته النفسية في جميع مراحل حياته ، وأنّ حرمانه من العاطفة والحنان في طفولته قد يؤدّي إلى عدم استقرار وضعه النّفسي سواءً في طفولته أو مراحل عمره الأخرى.

ولذلك فإنّ على الوالدين وجميع المربين أنْ يركزوا على هذا الجانب المهم وأنْ يمارسوا هذه المهارة ، أعني إشباع الجانب العاطفي لدى الأطفال ، وذلك يكون بأمور كثيرة منها : كثرة الضم والاحتضان و التقبيل ، وكذلك المسح على بعض أجزاء جسد الطفل كالكتف والظهر و الشعر ، ولعلّنا لا ننسى هنا وصية النبي - صلى الله عليه و سلم - بالمسح على رأس اليتيم وما في ذلك من الأجر العظيم ، وكذلك يكون الإشباع العاطفي بالابتسامة الحانية الصادقة في وجه الطفل ، وكذلك بالتعبير اللفظي عن المحبة والمودة لهذا الطفل ، ومما يزيد شعور الطّفل بالإشباع العاطفي الهدية ، خاصة إذا كانت مما يحب الطفل وبدون مناسبة ، وإنما لمجرّد التعبير عن المحبة التي يحملها أحد الأبوين له في قلبه.

وللأسف الشّديد فقد انتشر الجفاف العاطفي في بعض المجتمعات ، بل أصبح أحياناً التلفّظ بمصطلح الحب والعاطفة من الجرائم التي لا تغتفر ، فأصبح بعض الآباء لا يكادون يُظهرون محبتهم وعاطفتهم لأبنائهم ، ونحن نعلم أنّ قلوب الآباء والأمهات مليئة بالمحبة والعطف لأبنائهم ، ولكنّ الإشكالية في عدم التعبير عن ذلك وفي عدم إخراجه حتى يراه الأبناء ويلمسونه في حياتهم.

      وليس معنى الإشباع العاطفي – كما قد يحتج البعض – أنه التدليل وعدم الحزم مع الأبناء ، فليس هذا صحيحاً ، وإنّما هو مشاعر وعواطف متدفّقة للأبناء ، وليست مشروطة بشرط ولا قيد ، وهذا لا يعني الخضوع التام لطلبات الأبناء وتلبية كل ما يطلبون ، ولا يعني أيضاً أنّ الطفل لا يعاقب إذا أخطأ ، فليس هناك تعارض بين الإشباع العاطفي وبين أن يكون للطفل حدود واضحة يلتزم بها ولا يتجاوزها ، وكذلك فإنه إذا أخطأ يعاقب بالعقاب المناسب ، ولا يتعارض هذا أبداً مع الإشباع العاطفي.

    وبعض الآباء أو الأمهات يرى أنه لا يجد الوقت الكافي لهذا الأمر ، خاصّة مع كثرة أعباء الحياة اليومية وكثرة الأبناء – أحياناً – ولكني أقول : إننا لن نكون أكثر انشغالاً من نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد كان قائد الأمة ونبيها ورسولها وحاكمها وقاضيها ، ومع ذلك فقد كان يجد الوقت لمداعبة وملاطفة الأطفال وتقبيلهم و حملهم ، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يصلّي بالناس وهو يحمل أمامة بنت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها ، كما رواه مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه ، بل كان عليه الصلاة والسلام يصف من لا يُقبّل الأطفال ويلاطفهم بأنه لا رحمة في قلبه ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال : (أتقبلون صبيانكم ؟! فما نقبلهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (أَو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة) ، فلا تكن أخي المربّي ممّن لا يرحم الأطفال ، بل عليك بالاقتداء بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في رحمته وشفقته ولطفه مع الأطفال.

وليعلم جميع المربين أنّ الطّفل يلاحظ ويشعر بهذه المشاعر و الأحاسيس ، سواءً عبر عن ذلك أم لم يعبر ، فهذا أحد الأبناء وقد تعود من أبيه أنه يصافحه كلّما عاد إلى المنزل ، وذات مرّة وعند دخول الأب إلى المنزل وبدلاً من أن يصافح أبناءه كعادته عانقهم بحرارة وعاطفة الأبوة ، فقال له هذا الابن ببراءة الطفولة : "يا بابا أنت اليوم تحبنا أكثر من كل يوم "  فانظر - أخي القارئ - كيف استشعر هذا الطّفل زيادة الحبّ والعاطفة مع وجود العناق والاحتضان أكثر من مجرد المصافحة.

ومن الأمور الهامّة التي يغفل عنها بعض الآباء والأمهات أنّ الحبّ والعطف والحنان والإشباع العاطفي يجب ألاّ تكون مشروطة بشرط ولا مقيّدة بقيود ، لذلك فلابدّ أنْ ننتبه لبعض الممارسات التي نقع فيها أحياناً ،  مثل : أن نقول للطفل إذا أخطأ : (نحن لا نحبك لأنك فعلت كذا) أو أن نقول : (إذا فعلت كذا فنحن نحبك) إنّ هذه ممارسات خاطئة. ينبغي أن نعطي الحبّ والعاطفة لأبنائنا بدون قيد ولا شرط.

ومن الأمور الملحوظة في كثير من الأسر أنّ الاهتمام العاطفي والمداعبة والملاطفة تكون للطفل في مرحلة طفولته المبكرة فقط ، ولكن إذا تقدّم في العمر بعض الشيء ودخل المدرسة مثلاً أو بعد ذلك بقليل فإننا نجد أنّ الإشباع العاطفي يقلّ وينحسر كثيراً ، حتى إنّ بعض الأبناء إذا بلغ العاشرة أو تجاوزها لا يجدُ القُبلة والاحتضان إلاّ في الأعياد والمناسبات ، بل كما قال بعض الآباء حتى في الأعياد قد لا يجدونها ، وهذه من أخطاء بعض الآباء ،وقد أشرنا إلى أنّ الحاجة إلى الحبّ والعطف والحنان تبدأ مع الطفل منذو ولادته ولا تقف إلى نهاية حياته.

لذا فإنّ ضعف العناية بهذه المهارة (الإشباع العاطفي) ، وحرمان الأبناء والبنات من العاطفة ومن الحبّ والحنان يؤدي إلى نتائج سلبية كثيرة منها:

·   أنّ يكون الطفل عرضة للمشكلات النفسية والسّلوكية أكثر من غيره ، فبسبب الحرمان العاطفي قد يظهر لدى الطفل العناد والعنف ، وقد يحصل لديه التبول اللاإرادي ، وقد يؤدي به هذا الحرمان إلى مصّ الأصابع ، أو التأتأة في الكلام ، وقد تظهر عليه ملامح الحزن والكآبة أو التوتر والقلق وسرعة الانفعال ، إلى غيرها من الاضطرابات الكثيرة التي قد تنشأ عن الحرمان العاطفي.

·       قد ينشأ الطفل غير قادر على محبة الآخرين مما قد يجعله عدوانياً أو انطوائياً.

·   أن يبحث بعض الأبناء عن إشباع هذه الحاجة بطرق غير مشروعة ، فعندما يفتقدون العاطفة داخل أسرتهم فإنهم سيبحثون عنها خارج أسوار المنزل.

     فعلى الآباء وجميع المربين أن يغدقوا على أطفالهم من أنهار الحب والعطف والحنان ، بل عليهم أن يغرقوهم في بحور من المودّة والعاطفة الدافئة الحانية حتى يكون ذلك – بإذن الله – من أسباب استقرارهم النفسي و السلوكي ، وكذلك عليهم أن يستثمروا هذه المهارة في التعامل مع جميع المشكلات السلوكية لدى الأبناء ، فهي - بإذن الله – وسيلة وقائية من كثير من الاضطرابات السلوكية ، وكذلك تسهم في علاج جميع الاضطرابات السلوكية لدى الأطفال.

 

الاثنين، 9 مايو 2016

دليلك في التعامل مع سلوك طفلك

     في هذه الوقفة سنقدّم لك – أخي المربي – دليلاً عملياً عامّاً يبيّن لك الخطوات التي تسلكها في الوصول إلى الحل المناسب لتعديل سلوك طفلك ، وهي ليست وسائل للعلاج و إنّما عبارة عن دليل عام يبيّن لك خط السّير الذي تسلكه مع سلوكيات أطفالك ، وهذا الدليل عبارة عن محطّات متتالية تنقلك كل محطة لما بعدها ، وهي على النحو التالي:


المحطة الأولى : قبل ظهور المشكلة (بذل أسباب الوقاية) :

فعلى كل مرب – وأخص الوالدين – أن يبذلوا سبل الوقاية التي تقي وتحفظ أبناءهم - بإذن الله ـ  مِن ظهور انحرافات سلوكيّة ، ومن ذلك : حفظ الله سبحانه وتعالى في السرّ و العلن ، وقد قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : (احفظ الله يحفظك) ، فإذا حفظت الله في أوامره وحرماته ، فإنه يحفظك في نفسك ودينك و ولدك ، وكذلك تحصين الأبناء بالرقَى الشّرعية والأذكار النّبوية في الصّباح والمساء وعند النّوم وقبل الخروج من المنزل وتعويدهم على ذلك ومساعدتهم في حفظ هذه الأذكار وتكرارها في اليوم والليلة ، فإنّ في ذلك حفظاً لهم من الشّرور و المصائب ، وكذلك من الأمراض والاضطرابات عموماً.

وكذلك فإنّ من أسباب وقاية الأبناء توفير جوٍّ أسري هادئ و مستقر ، مُفْعم بالمحبّة و السّكينة ، وبناء الثقة في نفوسهم ، والاستماع إلى شكواهم وهمومهم ، وإعطاؤهم وقتاً كافياً للجلوس معهم ، مما يشعرهم بالرّاحة و الطمأنينة ، ويبقى بعد هذا كله أنّ الأمر لله من قبل ومن بعد ، ولا يملك العبد المؤمن إلاّ أنْ يردد { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا } .

المحطة الثانية: إذا حدثت المشكلة وتكررت (لا بد من البحث عن السبب):

وقد سبق الحديث عنه في مقال http://cutt.us/hm4o


المحطة الثالثة : إذا وجدنا السبب (لا بدّ من تعاون الأطراف المحيطة) :

      إذا أردنا أنْ نتعامل بصورة مفيدة و ناجحة ، وأنْ نقوم بتعديل سلوك الطفل فلا يناسب أنْ يتولى ذلك شخص واحد فقط ، بل لابدّ من تعاون الوالدين ، وكذلك الأخوة ، بل حتّى أطراف تربوية أخرى ، وبالذّات المدرسة.

حتّى في المدرسة الواحدة لا يكفي أن يتولى المهمة المرشد الطلابي – مثلاً – لوحده ، وإنّما لا بدّ من التنسيق مع إدارة المدرسة والمعلمين المباشرين للطالب ، وهذا أمر مهمّ ؛ لأنّنا إذا كنّا نبني من جهة واحدة وهناك من يهدم من جهات أخرى - ولو بلا قصد سيّء - فإنّ التعديل والبناء لنْ يتم على الوجه المطلوب ، فمثلاً : إذا ظهر عند الطّفل تلعثم في الكلام بسبب الخجل والخوف أمام الآخرين ، وبدأ الوالدان في محاولة علاج هذه المشكلة بتعزيز الذات والتركيز على المدح والثناء و التشجيع ، ولكننا نجد في الوقت نفسه أن أحد إخوة الطفل يستهزئ به من وقت إلى آخر ، ويقلّده في التلعثم ويضحك منه ، فإنّ هذا السّلوك من ذلك الأخ سيهدم ما يبنيه الوالدان ، أو كان أحد المعلمين في المدرسة يستخدم أسلوب الشدّة والقسوة والتعنيف مع ذلك الطالب لعلاج هذا السلوك ، فلا شكّ أنّ سلوك هذا المعلم سيهدم أيضا ما يبنيه الوالدان في المنزل ، ولذا فلا بدّ من تعاون الأطراف المحيطة بالطّفل حتى نصل إلى تعديل السلوك غير المرغوب بصورة جيدة.


المحطة الرابعة : ( تفعيل مهارات تعديل السلوكيات):

بعد تحديد ومعرفة السبب ، ثم التنسيق والتعاون بين الأطراف المحيطة بالطفل ، يأتي ممارسة المربي مهارات تعديل السلوكيات ، والتي سنتحدّث عنها لاحقاً.


المحطة الخامسة : إذا لم ننجح (لا بدّ من استشارة المختصين) :

إذا مارس أحد المربين أو بعضهم أوكلّهم مهارات تعديل السلوكيات ولكنهم لم ينجحوا في تعديل السلوك أو أنهم لم يحقّقوا النجاح المطلوب فعليهم بعد ذلك أن يستشيروا المختصين في المجال النفسي والسلوكي أو في المجال التربوي حتى يصلوا جميعاً إلى تعديل هذا السلوك لدى الطفل بالصورة المثلى.

الأربعاء، 4 مايو 2016

لنبحث عن السبب أولاً ....!!!

     عند ظهور أيّ خلل سلوكي لدى أحد الأبناء ، فقبل أن نبادر بالسؤال كيف نتعامل معه ؟ أو ما وسائل تعديل هذا السلوك؟علينا أن نسأل ما أسباب ظهور هذا السلوك ؟ ولماذا صدر من هذا الطفل ؟ لأنّ التغيرات التي تحصل من الطفل – في أحيان كثيرة – إنّما هي تعبير عن تغيّرات معيّنة حصلت حوله ، ولذلك فإنّني أقول (إنّ الطفل مرآة لما حوله).

فعلى سبيل المثال لماذا كان الطفل هادئاً ثم أصبح عنيفاً ؟ ولماذا كان يتحكّم في إخراج البول ثم أصبح لديه تبول لا إرادي ؟ ولماذا كان يتحدّث ويتخاطب بكلّ طلاقة ثم أصبح يتلعثم في حديثه ؟ في الحقيقة أنّه في حالات كثيرة يكون ظهور هذه التغيّرات لدى الأطفال إنّما هي تعبيرات وردود أفعال لتغيّرات بيئية أخرى ، فأحياناً تكون بسبب تعرّض الطفل لخوف شديد في أحد المواقف ، أو لتعرّضه لاعتداء جسدي أو جنسي ، أو لوجود مولود جديد ، أو أحياناً تكون تعبيرات عن الحرمان العاطفي الذي يعيشه هذا الطفل.

لذا فعلينا قبل أنْ نقول الحل أنْ نبحث عن السبب لأنّ معرفة السّبب تساعدنا – بإذن الله – في حلّ وعلاج هذه المشكلة ، وفي تعاملنا مع هذا السلوك الطارئ بصورة مناسبة.


 

الثلاثاء، 3 مايو 2016

أسباب حصول المشكلات وظهورها والاضطرابات السّلوكية لدى الأطفال


1-   العامل الوراثي:

فكثير من الاضطرابات السّلوكية النّفسية أو حتّى بعض السّلوكيات كالعنف والخجل قد تنتقل بالجينات والعوامل الوراثية إلى الأبناء ،  وأريد هنا أنْ ألفت الأنظار إلى ما يلي:

-    أنّ وجود العامل الوراثي لا يعني حتميّة ظهور هذه السّلوكيات لدى الأبناء ، بمعنى إذا كان أحد الوالدين لديه سلوك الخجل المرضي – مثلاً – فلا يعني هذا أنّ جميع الأبناء سيكون لديهم هذا السلوك السلبي ، ولكنّه يعني أنّهم أكثر عرضة للإصابة بهذا السلوك من غيرهم.

-    عند ظهور سلوك معيّن لدى أحد الأبناء مع وجود الاستعداد الوراثي في العائلة لا يعني أنّ هذا السلوك غير قابل للتعديل أو أنّه لن يزول ، بل هو قابل للتّعديل - بإذن الله - والتغيير إلى الأحسن بالأساليب الصّحيحة.


-    أنّ اضطراب  البيئة المحيطة بالطفل قد يزيد نسبة احتمالية ظهور بعض السلوكيات السلبية وذلك عند وجود الاستعداد الوراثي - لحدوث هذا السلوك أو الإضطراب أكثر ممّا لو كان العامل الوراثي لوحده فقط ، وكذلك وجود بيئة محيطة بالطفل تتّسم بالاستقرار قد يُضْعف أثر الاستعداد الوراثي بعض الشيء.
 

2-   الاضطرابات العضوية الكيميائية:

أشارت كثير من الدّراسات والأبحاث الطبيّة إلى أنّ هناك جملة من الاضطرابات السّلوكية لدى الأطفال قد تكون بسبب خلل كيميائي أو عضوي في الجهاز العصبي ممّا يؤدّي إلى ظهور هذه الإضطرابات ، مثل (فرط الحركة ، الخجل المرضي ، الاكتئاب النفسي ، الوسواس القهري وغيرها...) ، وهذا يعني أنّ الطّفل قد يحتاج البرامج السلوكية والعلاجات الدوائية معاَ حتى يتخلّص من هذه الاضطرابات - بإذن الله - ولابدّ أنْ يكون ذلك تحت إشراف معالج نفسي مختص.

3-   العوامل البيئية والاجتماعية:

قد أشرنا إلى هذه العوامل عدة مرات ، فلا شكّ أنّ الطفل عندما ينشأ في بيئة تربوية يكثر فيها الضرب والعنف من المربّين وكذلك قلة تقدير ذات الطفل و القسوة ، بل والشتم والألفاظ غير المناسبة لا شك أنّ هذه العوامل سيكون لها دور كبير في ظهور سلوكيّات سلبية لدى ذلك الطفل ، كضعف الشخصيّة ، أو العنف أو غيرها.

4-   العوامل النفسية الذاتية (صفات الشخصية):

أقصد بها الطبيعة الشخصّية والذاتيّة للطفل نفسه ، فهناك بعض الأطفال منذ نعومة أظفارهم يميلون إلى الانطواء والخجل ، وبعضهم يميل إلى العنف والجرأة غير المنضبطة ، ولاشكّ أنّ طبيعة شخصيّة الطفل مع وجود العوامل والأسباب الأخرى سيكون لها أثر في ظهور بعض الاضطرابات السلوكّية لدى هذا الطفل.

الأحد، 1 مايو 2016

فهم ومعرفة العوامل المؤثرة في نمو الطفل



إنّ فهم نمو الطفل ومعرفة العوامل التي تؤثر فيه من أهم المفاتيح التي تساعد المربّين على حسن التعامل معه ، وهناك عاملان مهمان لابد للمربّين أن يكونوا على درجة عالية  من المعرفة بهما و الاطلاع عليهما ومراعاتهما عند تقييم سلوك الطفل أو التعامل معه ، وهذان العاملان هما:


أ‌)      النضج والنمو الطبيعي للطفل:

فالطّفل في نمو وتطور متدرّج ومستمر بصورة سريعة ، ولكلّ مرحلة زمنية يمرّ بها الطفل ما يخصّها من خصائص وعلامات ، والتي تشمل جميع مجالات النّمو لدى الطفل مثل : النمو الحركي و الجسدي ، والنمو الاجتماعي ، والسلوكي ، والانفعالي وغيرها...

فهناك مرحلة من عمر الطفل يكثر فيها الخوف مثلاً ، وعند مرحلة معينة يكون صعباً على الطفل أن ينفصل عن أمه دون قلق ، وكذلك فإن الطفل في مرحلة معينة يبدأ في التمييز بين وجه أمه و وجوه الآخرين من خارج العائلة فتصيبه وحشة وخوف عندما يداعبه شخص غريب مثلاً ، وكذلك إذا استمر الطفل في عدم تحكمه في إخراج البول فإننا لا نعتبره حالة مرضية إلاّ إذا كان الطفل قد وصل إلى عمر خمس سنوات ، ومن الأخطاء التي تصدر من الأمهات لعدم  معرفتهم بخصائص نمو الطفل  كثرةُ زجر الطفل عندما يضع يده أو الأشياء التي يتناولها في فمه ، وذلك عندما يكون في السنة الأولى من عمره ، وهذه المرحلة تسمى المرحلة الفمية (الصحيح الفموية لأنّ النسبة للفم نعيده إلى أصله فموٌ) والتي يستخدم فيها الطفل فمه ليتعرف على الأشياء ويستمتع بها ، فمن الخطأ زجره عن شيء هو من طبيعته في هذه الفترة الزمنية من عمره ، بل المطلوب في مثل هذه الحالة أن نتركه يمارس هذا الأمر بلا زجر ، وإنما نلاحظه من بعيد حتى لا يؤذي نفسه بشيء مؤلم يضعه في فمه.

الحديث عن تفاصيل المراحل العمرية والتغيرات التي تحدث في كل مرحلة أمر يطول ويصعب في هذا المقام ، لذا فإنه على كل مربٍّ - خاصة الآباء والأمهات - أن يطالعوا المراجع التي تتحدّث عن علم نفس النمو حتى يفهموا أبناءهم بصورة جيدة ، ويفهموا لماذا تصدر مثل هذه التصرفات من هذا الطفل في مثل هذه المرحلة العمرية.

   إدراك النمو وتطوره في المراحل العمرية المختلفة يحقّق عدداَ من الفوائد والثمار منها :

1-   يساعد الآباء – والمربين عموماً – على تفهّم سلوك الطفل وتفسيره بصورة جيدة.

2-  مراعاة قدرات الطفل وذلك حسب كل مرحلة عمرية ، وبالتالي تكليفه بما يطيق ويستطيع في كل مرحلة ، فمن الخطأ أن نطلب من الطفل أن يتقن بعض الأمور بينما استعداده الذهني والعضلي لم يتم بعد ولا يتناسب مع القيام بما نريده في المرحلة الحالية.

3-  تخفيف التّوتّر الذي يصيب بعض الآباء عند ظهور تغيّرات سلوكية معيّنة مرتبطة بالمرحلة التي يمرّ بها الطفل ، فإذا كان الآباء على إدراك لهذا الأمر فهذا يزيل عنهم التّوتّر والارتباك.
 
 

ب‌)  اكتساب السلوك بالتعلم و الملاحظة.

كما أنّ للطفل نمواً طبيعيا إلاّ أنّه يتأثّر بقوة شديدة في اكتساب السلوك بتصرّفات من حوله ، فيكتسب منهم أشياء كثيرة بالملاحظة ، بل إنّ الطفّل يتأثر بالملاحظة والمشاهدة أكثر من تأثرّه بالتوجيه اللفظي المباشر ، وهذه حقيقة يغفل عن مراعاتها كثير من الآباء والمربّين فتجده يتصرف أمام طفله تصرفات غير لائقة ، وينسى أنّ الطفل قد يحاكيه في يوم ما ، بل إذا قام هذا الطّفل وأصدر السلوك نفسه  أمام الآخرين فإنّ الأب أو الأم قد ينهرانه وينسون أنّ السلوك ذاته قد صدر منهما أمام هذا الطفل الذي لا يميّز أنّ هذا السلوك من أحد والديه يُعتبر سلوكاً صحيحاً ، أمّا من الآخرين فيُعتبر سلوكاً خاطئاً ، والحقيقة أنّه يستقبل أي سلوك يراه و يعتبره مناسباً ، وأنه يستطيع أن يمارسه في أيّ مكان وأمام أي إنسان.

يقول د.نبيه الغبرة : (يبدأ التّقليد عند الطّفل اعتباراً من الشهر الخامس أو السادس ، عندما يقلد شخصاً كبيراً يلاعبه بمدّ اللسان أو إجراء حركات المضغ أو إحداث بعض الأصوات....) ، ويقول : (يولع الطفل بتقليد أمّه في أعمالها المنزلية في سنته الثالثة...).

وعلى هذا فإنّ التقليد لدى الطّفل وملاحظة الآخرين ومحاولة تقليدهم في تصرفاتهم تنشأ في مرحلة مبكرة من عمره.

والطفل لا يكتسب ويلاحظ ممن حوله السّلوكيات فقط بل حتى المشاعر والانفعالات وردود الأفعال ، فهو يلاحظ سرعة انفعال أمه وعصبيّتها مثلاً ، ويكتسب ذلك تدريجياً ، وكذلك قد يكتسب الخوف أو الجرأة والشجاعة من أفراد عائلته بالملاحظة لسلوكهم وانفعالاتهم.

 
وهو كذلك لا يتأثّر بمن حوله بمجرد التقليد للسّلوكيات والانفعالات وإنما يتأثّر أيضاً بالوضع النفسي والعائلي السائد بين أفراد الأسرة فيتأثّر إذا ظهرت خلافات متكررة بين الوالدين ، أو إذا كان الوضع السائد في المنزل كثرةُ الصراخ والتهديد والتخويف ، و وجود مثل هذه العوامل في البيئة المحيطة بالطفل (المنزل أو المدرسة) تؤثّر بصورة سلبية على نفسيّته واستقراره الداخلي.

ولذا ينبغي على الوالدين خصوصاً والمربين عموماً الانتباه لما يلي:

1-  أنْ يضبط المربّي سلوكه قدر المستطاع أمام الطفل وأنْ يجاهد نفسه ألاّ يصدر منه إلاّ ما هو مناسب ومقبول أخلاقياً واجتماعياً ، فلا يتصرّف المربّي بسلوك أو يصدر كلمةً أو حركةً أمام الطفل وهو يكره أنْ تصدر من هذا الطفل أمام الآخرين.

 
2-   أنْ يوفر المربّون للأطفال بيئة هادئة مليئة بالسّكينة والطمأنينة حتى ينشأوا بنفسيّة هادئة ومستقرّة.
 
أنْ يخفِّف الوالدان – وكذلك المربّون – من توتّرهم وانفعالهم وشدّة غضبهم وعصبيّتهم أمام الطّفل حتى لا يكتسب منهم هذه الانفعالات غير المناسبة .