الثلاثاء، 14 يونيو 2016

العَقْد السّلوكي

وهذه مهارة في غاية التأثير ، وهي عبارة عن تقنينٍ لمهارة الثّواب والعقاب بصورة واضحة تساعد الطفل والمربّي كذلك على تحقيق السّلوك المرغوب وتجنب السّلوك السلبي.

والعقد السلوكي هو اتفاق بين المربّي والطّفل يتضمّن المهمّة المطلوب من الطفل تأديتها ، والمكافأة التي سيحصل عليها عند تحقيق المطلوب ، وكذلك العقوبة المتّرتبة على عدم الالتزام بالاتفاق.
شروط العَقد السلوكي الناجح:
قد يعقد بعض المربّين الكثير من الاتفاقيات مع بعض الأطفال ، ولكنّ هذه الاتفاقيات قد تخلو من شروط العَقد السّلوكي الناجح فتأتي النتائج غير مشجعة ، لذا فإنّ المربّين يحتاجون أن يسعَوا إلى تفعيل استخدام هذه المهارة بالصّورة المُثلى وذلك بتوفير شروط نجاح هذه الوسيلة ، ومنها:

1-   يفضَّل أن يكون العَقد مكتوباً ، خاصة مع الأطفال الذين يجيدون القراءة والكتابة ، ويمكن أن يكون عقداً شفهياً مع من لا يجيد القراءة.
2-   أن تنبثق بنود العقد من حوارٍ واتفاقٍ بين المربّي والطفل ، لا أن تكون صادرة عن رأي طرف واحد فقط ، الذي هو المربي غالباً.
3-   أن تُرضي بنود العقد الطَّرفين وتحقِّق مكاسب ومصالح مشتركة للطفل وللمربي معاً ، كأن يتخلّص المربي من سلوك غير مرغوب فيه لدى الطفل ، وأنْ يحصل الطّفل على مكافأة يحبها ويرغبها.
4-   أن يتمَّ تحديد المشكلة المطلوب علاجها ، أو السّلوك المرغوب تعديله بصورة واضحة ، لأنّ بعض المربّين يطلب من الطفل أموراً غير واضحة ؛ كمَن يطلب من ابنه أن يكون مؤدَّباً والطفل قد لا يدرك ما هي التفصيلات السلوكية لكلمة (مؤدب) ، لذا فينبغي أن يتم تحديد السّلوك المطلوب فعله أو التخلّص منه بصورة دقيقة واضحة حتى تساعد الطفل على تنفيذ الاتفاقية.
5-   أن يشتمل العقد على تدعيمات ومكافآت محدّدة يمكن للطفل أن يحصل عليها عند قيامه بالسلوك المرغوب ، وتكون هذه المكافآت مما يحبّه الطفل ويميل إليه.
6-   أن يقتصر العقد على مشكلة واحدة أو سلوك واحد فقط ، وذلك يساعد الطفل على  التركيز على المطلوب منه دون تشتيت لذهنه وقدراته.
7-   أن تكون الأهداف المتّفق عليها في العقد واقعية ، ممّا يستطيع الطفل تحقيقه ، أي أن يكون المطلوب منه متوافقاً مع قدراته وإمكاناته ، وأن يكون تحقيقه بيده لا بيد غيره ، فمثلاً : عندما يطلب الأب من طفله أن يصبح الأول على زملائه ، فعلى الأب أن ينظر بواقعية ، هل هذا الطلب يتناسب مع إمكانيات طفله أم لا ؟ وكذلك فإنّ تحقيق هذا الأمر يرتبط بآخرين وليس بيد الطفل لوحده ، وإذا أردت أن تُطاع فأمر بما يُستطاع.
8-       أن يشتمل العقد على فترة زمنية محدّدة لتنفيذ الاتفاقية.
9-       أن يتم تحديد عقوبات محدّدة واضحة عند عدم الالتزام بتنفيذ المتّفق عليه في العقد.
10- أن يقوم المربّي بمساعدة الطفل في تحقيق وتنفيذ العقد المتفق عليه ، وذلك بتذكيره وتحفيزه وتشجيعه على ذلك.
 
   فإذا التزم المربّي بتوفير هذه الضوابط والشروط أثناء إعداد العقد السّلوكي فإن ذلك سيكون له بالغ الأثر في تفعيل هذه المهارة وهذا الأسلوب ، وحصول تعديل السلوك المطلوب.
  إنّ نظام العقد السّلوكي من الأساليب السّلوكية التي تلقَى اهتماماً كبيراً من المعالجين السّلوكيين ، ومع ذلك فإن القليل من المربّين هم الذين يمارسون هذا الأسلوب ، وهذا التعاقد له فوائد تربوية كثيرة ، منها :
1-   يساعد على تحديد الأهداف المطلوب من الطفل تنفيذها ، وهذا بدوره يقلل التوتّر الذي يصاحب كثرة التوجيهات والأوامر التي يتلقاها الطفل.
2-       العقد السلوكي الواضح والمحدّد يستثير لدى الطفل الدافع والهمة للإنجاز والتغيير والتقدّم إلى الأمام.
3-       يزيد شعور الطفل بالمسئولية ؛ لأنه يشارك في صياغة بنود العقد.
4-       يجعل الطّفل يشعر بأنّ عملية تعديل السّلوك هي عملية مشتركة بينه وبين المربي.

     وإنّ المتأمِّل في السِّيرة النّبوية يجد أنها مليئة بالعقود السّلوكية الشّفهية التي كان يبرمها النبي- صلى الله عليه و سلم- مع أصحابه -رضوان الله عليهم – ليدفعهم إلى التحلّي بسلوك إيجابي جديد ، أو لبذل الثّمين لخدمة الدين ، وما قصة عقد بيعة العقبة إلاّ نموذجاً من أوضح النماذج لعقدٍ مستوفي الشروط ، قائمٍ على حوار واتفاقٍ بين الطرفين ، يشتمل على أهداف واضحة –هي ما طلب النبيr من الأنصار أن يقوموا به - وكذلك يحتوي على المكافأة والامتيازات التي سينالونها عند التزامهم بذلك ، وهي الجنة ، فقد قال الأنصار -رضي الله عنهم - وهم يخاطبون نبي الهدى r: )فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف ، فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفَّينا بذلك ؟ فقال- صلى الله عليه وسلم -: الجنة. قالوا : ابسط يدك ، فبسط يده فبايعوه)([2]).
             فهذه صورة مضيئة من صور العقد السلوكي الذي يعقده المربّي مع من يربيهم ، ويكون له - بإذن الله – الأثر البالغ في تحفيزهم للاتجاه نحو سلوك إيجابي جديد بكل قوّة وحماس وقناعة راسخة.



( [1]) العقد السلوكي : يراجع العلاج السلوكي للطفل والمراهق ، د / عبد الستار إبراهيم وآخرون ص 246-260 ، وكذلك : خمس خطوات لتعديل سلوك طفلك ، د /  عادل رشاد غنيم 61-65 .
( [2]) الرحيق المختوم ، للشيخ صفي الرحمن المباركفوري ، ص150 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق