السبت، 10 أكتوبر 2015

مكونات الصحة النفسية

إن الصحة النفسية مطلب مهم لسعادة كل إنسان وهي جزء رئيس من الصحة الإنسانية العامة فوجودها يؤثر إيجابا على جميع جوانب حياة الإنسان وغيابها أو ضعفها يسبب ضعفا في صحة الإنسان العامة ...... 
 تُعرِّفُ منظمة الصحة العالمية الصحة النفسية على أنها:
قدرة الفرد على تكوين علاقات ناجحة مع الآخرين، والمشاركة في تغيير بناء البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها، وإشباعه لحاجاته الأساسية بصورة متوازنة، وإنماء شخصيته لتكون قادرة على تحقيق الذات بصورة سوية.
وهناك مَن عرَّف الصحة النفسية بأنها:
القدرة على مواجهة الأزمات النفسية الاعتيادية التي تمر بصورة متكررة، وتطرأ على الإنسان، ويرافق تلك القدرة إحساس إيجابي بالسعادة والكفاية،وأن يكون لدى هذا الإنسان قدرة عالية على إشباع أكبر قدر من حاجاته الأساسية كالأمن والحب وإثبات الذات والنجاح والإنجاز وبصورة متوازنة
ومن هذه التعريفات للصحة النفسية نخلص بتحديد أهم مكونات الصحة النفسية
وهي كالتالي:
المكون الأول: الإحساس الإيجابي بالسعادة
 والشعور الداخلي بالبهجة والفرح المعتدل والسرور الذي يشعر به الآخرون ويلاحظونه على تعبيرات وجهه وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يُرى إلا مبتسمًا يقول جرير بن عبد الله البجلي: ما رأيته صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت إلا وتبسم في وجهي[1].
فالشعور الداخلي الإيجابي بالسعادة أحد مكونات وعلامات الصحة النفسية التي يحتاج الإنسان أن يحافظ عليها.

المكون الثاني للصحة النفسية: النجاح والإنجاز، وتحقيق الذات:
كلما كان الإنسان ناجحًا في حياته، لديه إنجازات ذات قيمة عالية، كلما شعر بتحقيق ذاته وبأهمية وجوده في هذه الحياة وكلما كان سعيدًا وتحقق له قدر عال من الصحة النفسية.
قيمة الإنسان في هذه الحياة ما يُنجزه وما يحققه من نجاحات في مختلف مجالات الحياة: في المجال العبادي ، وفي طلب العلم، وبر الوالدين، وفي العلاقات مع الأسرة، وفي العلاقات مع الناس، في الجوانب المالية والاقتصادية، في مختلف جوانب الحياة التي يمكن للإنسان أن يحقق فيها نجاحات.
أخي الكريم، أختي الكريمة:
إذا أردت أن تسأل نفسك سؤالاً:
هل لدي صحة نفسية عالية أم لا؟
فلابد أولاً أن تنظر: هل لديك إنجازات، هل لديك نجاحات، هل فعلاً تشعر بتحقيق قيمتك وذاتك، وأن لك وجودًا في هذه الحياة أم غير ذلك؟

المكون الثالث : المشاركة في البناء الاجتماعي:
المشاركة في البناء الاجتماعي أن تكون فاعلاً اجتماعيًّا، وأن يكون لديك مشاركات اجتماعية، وأن تنتمي إلى شبكة تواصل اجتماعية إيجابية.
وقد أظهرت كثير من الدراسات أن الدعم الاجتماعي إذا توفر لأي مريض نفسي يساعد في تحسن مرضه النفسي، وكذلك عندما يوجد لأي فرد عادي لا يعاني ولا يشكو من مرض نفسي، هذا يؤدي به إلى السعادة النفسية.
وكما قال ابن خلدون: الإنسان مجتمعي أو مدني بطبعه، فطبيعة الإنسان أن يميل إلى الجانب الاجتماعي، ليس بالضرورة أن يكون لديه شبكة كبيرة جدًا من المعارف والعلاقات الاجتماعية، لكن يحتاج أن يكون لديه مجموعة اجتماعية يشارك فيها، كذلك يكون له مشاركات في خدمة المجتمع، توجه في الأعمال الخيرية، الأعمال التطوعية، التي تضفي عليه السعادة.
كانوا يقولون، وكانوا يعتقدون سابقًا أن السعادة على قدر ما تأخذ، أما الآن فيتحدث كثير من الباحثين أن السعادة هي في العطاء، في عطاء المحتاجين في عطاء الفقراء، في عطاء الأقارب، إلى آخره من أنواع العطاءات.

المكون الرابع: إشباع الحاجات الأساسية بصورة متوازنة:
الإنسان لديه حاجات إنسانية متعددة، فمنها حاجات فسيولوجية جسدية، ومنها الحاجة إلى الحب والحنان، والحاجة إلى الشعور بالاحترام والتقدير والمكانة الاجتماعية ، وكذلك الحاجة إلى إثبات ذاته وتحقيقها في البيئة التي يعيش فيها، وغيرها من الحاجات الإنسانية المختلفة، فيحتاج أن يُشبعها بصورة متكاملة ومتوازنة حتى لا يطغى بعضها على بعض، وحتى لا يكون حرمانه من شيء منها سببا لمعاناته النفسية

المكون الخامس : قدرة الفرد على تجاوز الأزمات:
على التكيف مع الظروف الصعبة، ولذلك ننصح كثيرًا مَن يُراجعنا في العيادات النفسية، وفي الاستشارات النفسية، ولديه أو لديها ضغوط عائلية أو أسرية أو اجتماعية قد لا يستطيع أن يتغلب عليها، قد لا يستطيع أن يُلغيها، قد لا يستطيع أن يُذهبها من حياته، لكنه يستطيع أن يتكيف معها، وأن يتعايش معها.
التعايش والتكيف مع الأزمات لا يعني الاستسلام وشعور الإنسان بالانهزامية، ولكن يعني أن تعيش في ظل هذه الظروف الصعبة، وأنت تشعر بشيء من الارتياح، تتأقلم معها، تتكيف معها، تتعلم كيف تتعامل مع هذه الصعوبات.
ومما أعجبني وقرأته قريبًا: أن إحدى الأمهات عندما أُصيبت بفقد ولدها دمعت عيناها، ولكنها ابتسمت وقالت:
بإذن الله في يوم من الأيام سأطرق باب الجنة، ويكون طفلي هذا الصغير هو مَن يفتحه لي.
فالقدرة على التكيف على الأزمات وعلى الصعوبات لاشك أنها تُعطي الإنسان صحة نفسية عالية، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم من السعداء في الدنيا وفي الآخرة.


[1] كذا عند الحميدي، وعند البخاري ومسلم: "وما رآني إلا ضحك" من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق