الخميس، 19 مايو 2016

حاجة الأبناء إلى الشعور بالأمن والطمأنينة

       إنّ حسن تعامل المربّي مع أيّ طفل يقوم على مدى إدراكه ومعرفته وإحاطته بأمرين هامين هما : خصائص المرحلة العمريّة للطفل ، وكذلك حاجاته النفسيّة والاجتماعية ، فإذا كانت خلفية المربي قويّة في معرفة خصائص النمو لهذا الطّفل وما يتميّز به في كل مرحلة من مراحل عمره ، ثم كانت لديه معرفة بحاجاته الأساسية (النفسية والاجتماعية) وكيف يحققها ويقوم بإشباعها ، فإنّ هذا من أعظم مفاتيح النجاح في التعامل مع الطفل وتربيته التربية الصحيحة ، يقول د/مصطفى أبو سعد : )وأصل كل سلوك دافعٌ داخلي وحاجة نفسية)([1]).

ونقصد بالحاجات الأساسية : تلك الحاجات التي لا بدّ من توفيرها لأيّ طفل حتى ينشأ نشأة مستقرّة هادئة و متّزنة ، وحتى تنمو شخصيته نمواً معتدلاً ، وفي غالب الأحيان تكون سلوكيات الطفل إنّما هي بحثٌ عن إشباع حاجة أساسية معينة.

لذا فإنّنا في عَرْضِنا لهذه المهارة سنحاول أنْ نذكْر أبرز وأهم الحاجات الأساسية التي يحتاج الطفل أنْ نقوم بإشباعها ، وكيف نستطيع ذلك ، مع إلماحنا إلى أبرز الآثار المترتّبة على حرمانه من هذه الحاجات.
 وفي السّطور التالية سأذْكر لك - أخي القارئ - حاجة الأبناء إلى الشعور بالأمن والطمأنينة

هذه حاجة إنسانيّة يحتاجها كل إنسان ، والطّفل أكثر حاجة لها ، ولقد أشار ربنا - جل وعلا - إلى عظيم حاجة الإنسان لهذه الحاجة حين امتن بها على قريش فقال سبحانه وتعالى :{ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } ([2]).

تزداد حاجة الطفل إلى الأمن والطمأنينة لأنه ما يزال مرهفاً وحساساً في بداية حياته ؛ ولأنّ بناء شخصيته لم يكتمل بعد فهو مازال يستقي الشّعور بالأمن والطمأنينة ممّن حوله ، وقد لاحظ كثير من الباحثين أنّ حاجة الطفل للشّعور بالأمان تبدأ منذ أنْ يكون جنيناً في بطن أمه ، كما لاحظوا أنّ الجنين يتأثّر بالحالة المزاجية والانفعالية للأم ، ويظهر ذلك أحياناً في صورة زيادة حركاته في رحم أمه ، أو في صورة زيادة في نبضات القلب تعبيراً عن شعوره بالانزعاج وعدم الطمأنينة.

وسائل تحقيق الأمن والطمأنينة للطفل:

1- الرّفق واللّين في معاملة الطفل ، وقد قال صلى الله عليه وسلم:)إنّ الرّفق لا يكون في شيء إلا زانه)([3])، والرّفق و اللّين- دون زيادة تدليل - من أهم الأسباب التي تشعِر الطفل بالهدوء والطمأنينة ، وتشعره بمحبة الآخرين وقبولهم له.
2- الحرص على إدخال البهجة والسرور على الطفل ، سواء بكثرة المداعبة والملاعبة والملاطفة ، أو بالعبارات التي تحمل معاني البهجة والدعابة ، أو بالهدايا المادية كاللعبة والحلوى وغيرها من الهدايا التي يحبّها الطفل ويفرح بالحصول عليها.

3- الاهتمام المستمرّ بالطفل والتفقد لاحتياجاته ، فالسؤال المتكرّر للطفل عن أحواله ، والاهتمام به وبسائر شؤونه ، ومشاركته في همومه واهتماماته ، وتفقّد احتياجاته الضروريّة والحرص على توفيرها قبل أن يطلبها ، لا شكّ أنّ لهذا الأسلوب دوراً كبيراً في توفير الأمن والطمأنينة للطفل.

* ترك القسوة والشدّة في التعامل ، فإذا وجَد الطفل ممّن حوله شدّة وقسوة وغلظة فإنه يشعر بأنه غير مقبول لديهم ، وبالتالي يشعر بعدم الاستقرار وعدم الطمأنينة.

إنّ التركيز على بذل هذه الوسائل يوفر للطفل جواً هادئاً وشعوراً مستمراً بالأمن والطمأنينة ، لكنّ إذا افتقد الطّفل هذا الشعور فإنّه قد تظهر لديه كثير من الاضطرابات النفسية والسلوكية.

    وممّا يجب أنْ ينتبه له الوالدان وأنْ يجتنبوه في التّعامل مع أبنائهم تلك الأسباب والعوامل التي قد تهدم شعور الطمأنينة لدى الأبناء ، ومن تلك العوامل ما يلي :
 
1- كثرة الخلافات الأسريّة ، وبالذّات الخلافات التي تنشأ بين الوالدين ، ولا شكّ أنّ البيوت لا تخلو من خلافات يسيرة ومتباعدة ، لكنّ المطلوب ألاّ تكون هذه الخلافات هي السّمة الغالبة والظاهرة في المنزل ، حتّى في حالة حصول خلاف بين الأبوين فالواجب أنْ يتمّ التّعامل معه بهدوء دون رفعٍ للأصوات أو صراخ ، وكذلك يجب أنْ يكون بعيداً عن أنظار الأبناء حتّى لا يؤثّر ذلك على نفسياتهم .
 
2- كثرة التخويف ، إنّ من الأمور الملحوظة في كثير من الأسر كثرة تخويف الأبناء ، وذلك بحجّة ردعهم عن الوقوع في بعض الأخطاء أو في بعض الأمور المزعجة والمؤذية لهم ، وأحياناً تستخدم بعض الأمهات التخويف عند النوم ، وأحياناً يكون التّخويف من الظّلام أو من الخروج من المنزل أو من اللص أو غيرها.
كلّ ذلك إذا كان بصورة متكررة فإنه يزعزع الشّعور بالأمان والطمأنينة في قلب الطفل ، ويزرع مكانه الشّعور بالخوف والرعب ، ولا شكّ أنّ ذلك سيكون له آثار سلبية كثيرة في حياة الطفل.
3- كثرة الصّراخ وكثرة التّهديد بالعقوبة ، إنّ تعامل أفراد العائلة فيما بينهم بكثرة الصّراخ وارتفاع الأصوات يجعل الجميع يشعر بعدم السكينة والهدوء ، وإنّ كثرة تهديد الوالدين أو المعلمين للأطفال بالعقوبة يجعلهم يعيشون في حالة رعب مستمر، حتى لو لم تنفّذ هذه العقوبة ، وهذا يشعر الطفل بفقدان الشعور بالأمن والطمأنينة.
4- كثرة الضّرب ، إنّ هذا السلوك يجعل الأبناء في خوف دائم ويشعرهم بعدم قبول الطرف الآخر لهم ، فهو بلا شكّ أسلوب من أساليب العقاب ، لكنْ إذا أكثر منه المربّي فإنّه يصبح من أبرز أسباب حرمان الطفل من الشعور بالأمن و الطمأنينة.
 

ولذا فعلى جميع الآباء والأمهات وكذلك المعلمين والمعلمات أنْ يبتعدوا عن كل ما من شأنه أنْ يحرم أطفالهم من الشّعور بالأمن والطّمأنينة ، وعليهم أنْ يمارسوا الأساليب التي تزيد ذلك الشعور لدى الأطفال ، لأنّ الطّفل الذي يُحرم هذا الشّعور قد تظهر لديه اضطرابات نفسية وسلوكية منها:
1-   الخوف المستمر.
2-   التوتّر والقلق النفسي.
3-   العناد و العنف : فالذي لا يشعر بالأمان قد يميل إلى مقاومة الآخرين حتى يدفع عن نفسه ما يخاف منه.
4-  قد تظهر لدى الطفل سلوكيات أخرى كالتبول اللاإرادي وكذلك التأتأة وغيرها ، وذلك كتعبير لا شعوري من الطّفل عن حرمانه من الشعور بالأمن والطمأنينة.
5-   ظهور بعض الآلام والشكاوى العضوية ،  يقول عكاشة عبد المنان :
(يؤكّد كثير من الخبراء أنّ الأطفال يعانون من الآلام بسبب الخصومات والمنازعات التي تسبق الطلاق أكثر من الطلاق نفسه ، وتقول د.ج.لويزديسبيرت الأخصائية في نفسيات الأطفال في كتابها "أطفال الطلاق " : إنّ الطّلاق العاطفي في منزل تعيس محطم أعظم خطراً على الطفل من الطلاق الحقيقي ) ([4]).
ولا شك أنّ عدم استقرار علاقة الوالدين من أهم العوامل التي تحرم الأبناء من الشعور بالأمن و الطمأنينة.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التربية الإيجابية من خلال إشباع الحاجات النفسية للطفل، د.مصطفى أبو سعد، ص1
(2) سورة قريش: 3-4
(3)  رواه مسلم
(4) التربية النفسية للطفل ، عكاشة عبد المنان ، ص148

 

هناك تعليق واحد: