إنّ كل إنسان يحب أن يشعر بالقبول والاحترام من الآخرين ، وإلاّ فإنه يشعر أنه منبوذ ولا مكان له بينهم ، والطّفل يحتاج إلى هذا الشعور وبصورة كبيرة جداً حتى ينمو في حالة مستقرة ومتوازنة.
والطّفل ينظر إلى نفسه من خلال عيون والديه أوّلاً
ومن خلال عيون مربيه ثانياً ، فإذا أشعرناه أنه محترم ومقبول فإنه يعيش بهذا
الشعور ، وإذا حرمناه ذلك وجعلناه يشعر - وإن كان بدون قصد منا - بالدونية وعدم
القبول فإنه يرى نفسه هكذا. وهذا مكمن خطورة احتقار الطفل وإظهار عدم احترامه.
ولقد رسم لنا رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - أروع النّماذج في احترام وتقدير الأطفال وعدم انتقاص قدرهم ومكانتهم
، فقد أخرج البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله
عليه و سلم- أتي بشَراب فشرب منه ، وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ ، فقال
للغلام:أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ؟ فقال الغلام : لا والله يا رسول الله ، لا أُوْثِر
بنصيي منك أحداً ، فَتَلَّه - أي وضعه - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يده.
فانْظر أخي المربي وتأمل هذه القصة ، ولك أنْ
تعجب كيف يستأذن الرسول القائد العظيم - صلى الله عليه وسلم - طفلاً صغيراً ، بل
ويقدّمه على أشياخ الصحابة ، والأشدّ عجباً كيف جلس هذا الغلام الصغير في ذلك
المجلس العظيم الذي فيه كبار وعظماء الصحابة ، بل كيف استطاع أن يكون بجوار الرسول
- صلى الله عليه وسلم - بل الأعجب أنه كان على يمينه ، إنّ ذلك كله يشير إلى عظمة
المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في توقير الأطفال واحترامهم ، وعدم ازدرائهم ، ويدل
أيضاً على أنّ هذا الاحترام والتّقدير أمر مألوف في مجتمع الصحابة ، لذلك لم يكن
مستغرباً أن يجلس هذا الغلام الصغير في ذلك المجلس الوقور ، لا كما نفعله في
مجالسنا حيث يستحيل أن يتقدّم الطفل في مجلس الكبار ، بل أحياناً لا نسمح له بمجرد
الجلوس في مجلس فيه رجال كبار ، فضلاً أنْ يكون قريباً من صدر المجلس ، ولا شكّ أنّ
هذا التعامل سيضعف لدى هذا الطفل الشعور بالتقدير والاحترام والقبول من الآخرين.
وإليك أخي المربي بعض الوسائل التي تحقق هذه الحاجة للطفل:
1-
المدح والثناء وذكر حسنات الطفل والتركيز على
إيجابياته والإشادة بها أمام الآخرين ، ممّا يجعل الطفل يشعر بقبوله واحترامه من
الآخرين.
2-
قبول قدرات الطفل وإمكاناته كما هي مع محاولة
التطوير : ممّا ينبغي للآباء والمربين مراعاته أن لكلّ طفل قدراته وطاقاته وإمكاناته
التي منحه الله إياها ، فلا بدّ أن نقبلها منه ونرضى بها ونمدحها ثم نسعى إلى
تطويرها وتحسينها.
3-
الكُنْية : إنّ التّكْنية عند العرب تعبير عن
الاحترام والإجلال و التقدير، فمن المستحسن أن تختار كنية جميلة لطفلك بعد أن
تتشاور معه في ذلك ، فقد كان المصطفى - صلى الله عليه و سلم - يكنّي الأطفال ، فكان
يقول لأحد أطفال الصحابة :"يا أبا عُمير، ما فعل النُّغَيْر ؟"والحديث رواه الشيخان.
4-
ترك كثرة النّقد والتّأنيب :فإنّ الإكثار من
ذلك يورث الشّعور بعدم القبول ، والنّقد مطلوب ولكنْ بقدر مناسب دون مبالغة ، وانظر
إلى رسولنا الحبيب - صلى الله عليه وسلم - وقد خدمه أنس – رضي الله عنه – وهو صبي
صغير ابن عشر سنين فلم يكْثر من لومه وعتابه وانتقاده ، ويصف ذلك أنس رضي الله عنه
فيقول :" فما كان يقول لي لشيء فعلته لم فعلته ، ولا لشيء لم أفعله لِمَمْ
أفعله"رواه
الشيخان.
5-
ترك الإهانة و التّحقير : خاصةً أمام الآخرين من
إخوانه أو أصدقائه أو أقاربه،وفي الواقع إنّ أسلوب الإهانة والتحقير لا يمتّ إلى
تعاليم الإسلام بصلة ، بل إنّ ذلك ليس من الخلق الإنساني في شيء ، فلا يليق
بالمربين سواءً الآباء والأمهات أو المعلمين والمعلمات أن يُهينوا أو يحْتقروا الأطفال
مهما كان السبب ، وهذا الأسلوب أسلوب مقيت ، يُوْرث الشّعور بالاحتقار وعدم القبول
من الآخرين.
6-
ترك مقارنة الطفل بالآخرين : إنّ رسم النماذج
الإيجابية والصّور المشرقة للطفل ومطالبته بالاقتداء بها أمر محمود ، لكن بشرط ألاّ
تكون بصورة الانتقاص من ذات الطفل. وينبغي أنْ نبتعد قدر المستطاع عن مقارنة الطفل
بالآخرين من إخوانه أو زملائه وأصدقائه وأقاربه ، لأنّ ذلك قد يشعره بالنقص وكذلك
قد يشعره بالكراهية لمن نقارنه بهم ، فالأَوْلى أنْ نذكر للطّفل الصفات الإيجابية
التي نريده أن يتحلى بها وأن نذْكر له قدوات من حياة السابقين من أبناء الصحابة أو
غيرهم ، وأنْ نبتعد عن مقارنته بالآخرين.
فإذا وفَّرْنا للطفل المعاملة المليئة بالاحترام والتقدير فإنّ ذلك له
دورٌ كبيرٌ في استقرار نفسيّته وشخصيته في مستقبل حياته ، أمّا حرمان الطفل من الشّعور
بالقبول والاحترام ممن حوله فإن ذلك له آثار سلبية كثيرة منها:
1-
ضعف الشّخصية وضعف القدرة على إبداء رأيه.
2-
ضعف الثّقة بالنّفس والشّعور بالدّونية.
3-
الشّعور بالحقد والكراهية للآخرين ، لأنّ مَن
حوله جعله يشعر أنّ المجتمع لا يتقبله ولا يحترمه.
4-
ضعف القدرة على إقامة علاقات اجتماعية ناجحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق